كرنب الثور يا حبيبي- مقطع من رواية #والنمور_لحجرتي

  انحدرت فرح في المُقَارنة بينها وبين مي كامل، شخصيتها المنطوية التي تكره البهرجة والادعاء الفني، وشخصية مي مُعجزة السينما التي يصفق لها الجميع. وجهها الغارق دائمًا في المكياج، وفرح التي تستمتع بطلاء الأظفار لكنها لا تطيق المكياج الكثيف على وجهها. عائلة فرح المحافظة التي وقفت ضد ارتباطها بأحمد، وعائلة مي الفنية الشهيرة. فبابا هو من أنتج لمي أول فيلم لها، وبابا وأصحابه هم من مولوا لها أول مسلسل. ليس التعريص الفني هو ما يضايقها في اتجاهات مي الفنية، بل هذا الادعاء والمباشرة الخطابية التي تقدم بها أفلامها ومسلسلاتها، كأنها صلاة للغباء وتهجد لآلهة القيم المزيفة. ثم الاحتفاء المبالغ بأعمالها والتصفيق لها باعتبارها وجهًا نسويًّا ثوريًّا وشابًّا، في حين لا ترى فرح في أعمالها سوى النمطية العبيطة والشعارات المسروقة، حيث النسوية لأمثال مي كامل تتمثل في النجاح الفردي، ولوم النساء الأخريات لأنهن لا يتوقفن عن الشكوى بدلاً من العمل، لكي ينجحن ويحصدن الجوائز مثلها. أمثال مي يستفزونها وتكرههم، ليس لأنهم معرصين ولا يرون أن نجاحهم المزيف بسبب التعريص، بل لأنهم مجرمون يلومون الآخرين لأنهم لم يختاروا التعريص والشرمطة مثلهم.

نجحت مي كامل في الركوب على كل الأحداث السياسية وتطويعها لخدمتها. في أثناء ثورة الـ18 يومًا، كانت تذهب لشقة تطل على ميدانِ التحرير، يجتمع فيها الفنانون، تلتقط الصور من الشرفة لنفسها وهي تلوح بعلم مصر وترفع علامة النصر. ثم صنعت فيلمًا قصيرًا عن فتاة شابة تتحدى والدها وتهرب من المنزل لتشارك في الثورة، وحين يتنحى الرئيس وبينما يحتفل الجميع، تخاف الفتاة من عقاب أبيها إن عادت إلى المنزل، لكنها تجده وسط الجماهير يحتفل بالثورة، فتشاركه الاحتفال وينتهي الفيلم بالجميع سعيدًا.

طافت بالفيلم كل مهرجانات العالم ممتطية موجة الحب العالمي للثورة، وحصدت الجوائز بالطبع والتصفيق. “وجه الثورة النسائي الفني الشاب، كس أمها بجد!” قالت فرح لنفسها، ثم فتحت بروفايل مي، قلبت في الصور فظهرت لها صورة قديمة تجمع مي بأحمد. خمنت فرح أنها من بداية تعارفهما. في الصورة أحمد يرفع لافتة عليها صورة درية شفيق، ويسير مبتسمًا وسط الجموع، عن يمينه مي وهي ترتدي نظارة شمس كبيرة، تغطي نصف وجهها كما عادة نجوم التلفزيون، حينما يشاركون شرفيًّا في مثل هذه المناسبات.

بدت الصورة مقززة لفرح أكثر من صورته ووراءه إعلان مشروبات الطاقة، وهو يلعب الموسيقى للخنازير والخراتيت الذين أكلوا الثورة.

تذكر فرح هذه المظاهرة جيدًا، حاول أحمد دعوتها للمشارَكة، لكنها توقفت مبكرًا عن الذهاب إلى هذه الأنشطة/ المظاهرات/ الاحتجاجات.

بررت الأمر في كل مرة بحجة مُختلفة، أحيانًا تقول إن المخابرات تراجع سجلات العاملين في المستشفيات العسكرية، وهي لا تريد التورط في مشكلات، أحيانًا تعبِّر عن إرهاقها.

أبدًا لم تنتقد مُظَاهرة ما أو تسخر من مطلب فئوي. اتهمها أحمد ذات مرة بالعدميةِ والكسل والتخاذل، فاحتدت في النقاش معه، ووصفت نفسها بالعقلانية. قالت “لن أتظاهر سلميًّا في مُقَابل جنود يحملون السلاح ويطلقون النار علينا”.

التخاذل عن المشاركة في الفعاليات الثورية زاد من حدة الخلافات بينهما. تعارف الاثنان قبل الثورة، وأتى الانفجار الجماهيري ليشتعل حبهما وسط الغازات المسيلة للدموع، والحب الجماعي للجماهير المطلوقة في الشوارع. داخليًّا ربط أحمد حبهما بالثورة، فمثلما تحدى مع الجماهير الرئيس والشرطة والجيش، تحدى في حبهما سلطة الواقع وعائلة فرح. رأى أحمد في قدرته على فرض قرار زواجهما على عائلة فرح ووالدها انتصارًا آخر في هلوساته لإسقاط النظام.. “يسقط، يسقط، إحنا الشعب الخط الأحمر”.

بعدما صارت المواجهات بين المتظاهرين وقوات الجيش بسلاحه ودباباته ومدرعاته، رأت فرح المواجهة انتحارًا، فلا توجد أي قضية ولا حتى أوهام الدولة القومية تستحق أن يضحي الواحد بحياته، خصوصًا إن لم يمتلك المرء أي سلاح للمقاومة سوى الحنجرة، وخصوصًا إن كانت هذه الحنجرة الجماعية لا مكان فيها لصوتها. لكنها احترمت خيارات الآخرين، وتمنت فعلاً أن ينتصروا. وصفها أصدقاؤها بـالمتشائمة، لكن كل ما توقعته حدث بالفعل. لم تفهم قط لماذا لا يرى الآخرون ما تراه هي بوضوح. تمنت في كل مرة أن تكون على خطأ، أن تتنصر الحماسة المدنية والثورية على غشومية السلاح والبيادة العسكرية. لكن هذه المظاهرة التي حمل فيها أحمد صورة درية شفيق أخرجتها عن صمتها، سخرت في البداية من الدعوة، إذ كانت مُبادرة من مجموعة من الفنانين والمثقفين للدفاع عما أسموه الوجه الحضاري والثقافي لمصر، لمواجهة هجمة التيارات الدينية وفوزهم في الانتخابات من البرلمان حتى الرئاسة. الهدف من المظاهرة أن يجتمع المثقفون والمؤمنون بالدولة المدنية، ويرفعوا صور الشخصيات التاريخية التي يرون أنها تمثل التنوير والفن والحق والجمال، ويسيرون في استعراض ليذكِّروا المصريين بتراثهم ومدنيتهم. لخصت فرح موقفها في جملة واحدة حين وصلتها الدعوة إلى المُظَاهرةِ على الفيسبوك وقالتها لأحمد “منيكة فارغة”.

سكت أحمد ولم يعلق، قال “سأذهب”. لكنه محتار يحمل صورة مَن، أخبرها أنه يفكر في حمل صورة تحية كاريوكا أو سامية جمال. كانت فرح مرهقة وغاضبة في ذلك اليوم لأنها تعرضت للتحرش في الشارع في أثناء عودتها إلى المنزل، فانفجرت فيه، “يعني أنت بالنسبة لك المدنية والثقافة هي راقصات ماتوا وشبعوا موت؟ طيب ارفع صورة دينا، والا صورة دينا مش هتبقى مدنية أكتر من سامية؟”. أحمد الذي امتلك  فيضًا من الحنان يستخدمه في الاحتواء أو الابتزاز العاطفي حسب الموقف، شعر بغضبها فقام من مكانه وجلس على الكنبة، ضمها لصدره وأخذ يهدهدها “مالك يا بيبي؟”، هدأت وتبدد غضبها وتخدر جسدها بأمان الحب، ولكي يطيّب خاطرها سألها “طيب تحبي أرفع صورة مين؟” جاوبته إذا كنت تريد أن ترفع صورة وجه نسوي فارفع صورة درية شفيق”.

أسعدها أنه رفع الصورة التي اختارتها، لكنه عاد من تلك المظاهرة يحكي عن لقائه بالمخرجة مي كامل، وكيف عبرت عن حبها لموسيقاه، وأنها تريد أن يعملا معًا، هنأته فرح ولم تنتبه لتلك التفصيلة.

لم تكن فرح مَشغولة بصراع المدنية والدينية، ففي هذه الفترة سعت إلى الابتعاد عن كل التشويش والإزعاج المحيط بتفاصيل المشهد السياسي والاجتماعي في مصر بالكامل، كانت مستغرقة في اكتشاف الحقيقة.

“الحقيقة” هي بناء يتم بعد الحادث، سواء أكان الحادث فيضًا من المشاعر الثورية أم ولادة لنار الحب. فالحقيقة لا يتم بناؤها إلا بعد وقوع الواقعة. فالحب يبدأ بلقاء ليس قابلاً للقياس مثل وضعها حاليًّا مع نسيم، ووضعها سابقًا مع أحمد في بداية علاقتهما، حين اندفعا إلى الزواج وسط اندفاع الثورة المستمرة، ولكن فيما بعد تبدأ في إدراك ماهية الحب.

لفهم طبيعة بناء الحقيقة تقدم لنا الصيرورة العلمية مثالاً واضحًا، أنت تكتشف شيئًا غير متوقع، لِنَقُلْ مثلاً: فجوات غَامضة على القمر، أو جاذبية قوية لبعض الأجرام السماوية الغامضة. ومن ثم يكون هناك عمل رياضي لإعطاء معنى لهذا الاكتشاف، هذا العمل من أجل الوصول إلى القوانين، من أجل الوصول إلى المعنى، هو طقس بناء الحقيقة.

هذه عملية حقيقة، لا المشي في الشوارع رافعًا صور الأموات، اعتراضًا على سياسات أحياء يقدسون أمواتًا آخرين.

إجراء الحقيقة ليس انجرافًا خلف الذائقة الشخصية، على طريقة سأرفع صورة تحية كاريوكا لأنها وجه المدنية الثورية. إجراء الحقيقة هو الانتقال من التجربة الذاتية والمصادفة إلى قيمة عالمية.

فرح كانت مشغولة بهذه الأفكار مع نفسها، لا تشاركها مع أحد، إلا دفترها ذي الغلاف الجلدي الأسود. داخل هذا الغلاف شيدت عالمها. لم تجد في ما يحدث حولها مبعثًا لأي حماسة أو اهتمام، بل تراكمات من الأفكار الغبية والتصرفات الأغبى، لم تثِر فيها إلا السخرية والضحك. ذات مرة سألها أحمد مرة إن كانت تعاني من كرب ما بعد الثورة، فردت ساخرة “وماذا يكون كرنب الثورة يا حبيبي؟”

الجرافيتى المقزز أو كرنب الثورة يا حبيبي

أدركت أن العمل السياسي الحق يعطي حماسًا، وهذه الحماسة تعمي الأبصار، لكنها جميلة مثل الحب. فالسياسة الحقة هي الحماس الجمعي، والحب هو حماس يتشارك فيه شخصان. هي فقط حسدت عمال السياسة ونشطاءها على قدرتهم على التشارك في الحماس الجمعي، الذي لم تعد قادرة على الاندماج فيه. ففي هذه المرحلة من حياتها اكتفت بحماس حبها لأحمد فقط. لكنها لم تدرك أن أحمد يحتاج إلى ما هو أكثر من ذلك. مثل بعض المطلقات للأسف -وعلى الرغم من رجاحة عقلها- كانت فرح تلوم نفسها وتتهمها بالتقصير، لأنها لم تستوعب طموح أحمد.

بحثًا عن الشغف نشرت بعد طلاقها دراسة طويلة، في مجلة إلكترونية تصدرها مجموعة نسوية وكوِيرية شابة. لا تشعر باندماج كامل معهم، لكنها أخيرًا وجدت من يتقبل أفكارها ويشارك في ظنونها. أصبحت تلك المجموعة دائرة أصدقائها الجدد، وهي سعيدة بأن صارت لديها رفقة لا علاقة لها بأحمد، بعد سنوات من اعتمادها عليه في الحياة الاجتماعية.

أصدقاء يتشاركون معها الحماس للقضايا التي يرفض الآخرون التطرق إليها، مكتفين بادعاءات المدنية والثورية وغيرها من أشكال المنيكة الفارغة.

سَابقًا تدفقت الحماسة في أوردةِ وشرايين فرح وسط الجموع والجماهير، حتى وهم يهتفون هتافات كاذبة وعبيطة من نوع “حسني مبارك يا طيار جبت منين سبعين مليار!”. لكنها فقدت اتصالها بكل تلك الجموع الثورية حين ظهرت قضية علياء المهدي.

نشرت فتاة لا يتجاوز عمرها العشرين عامًا، صورة لها عارية على مدونتها الشخصية، منتصبة في وضع نصف إيروتيكي نصف طفولي. ولأن مدونتها تمتلئ بالمقالات الثورية وتنسب نفسها إلى حركة 6 أبريل، استخدمها تيار الإسلام السياسي للتشهير والطعن في التيار المدني.

ظهرت صورة علياء بعد إعلان عدد من الناجيات من كشوف العذرية ما حدث لهن داخل ثكنات الجيش، حين قُبِض عليهن من ميدان التحرير. كانت الانتخابات البرلمانية على الأبواب، وفرح وأحمد مدعوان إلى حفل في فيلا فخمة مِلك أحد رجال الأعمال المحبين للثورة والفن والموسيقى، يريد أن يتعرف ويتشرف بالشباب الذين قاموا بالثورة، لذا يدعوهم إلى منزله الواسع ليشربوا ويأكلوا ويسكروا ويرقصوا. وفي الطريق مع أحمد لمحت جرافيتي يصور واحدة من ضحايا كشوف العذرية وبجوارها صورة علياء المهدي، وفي المنتصف نَصّ ركيك يقارن كيف اهتم الإعلام والناس بعري علياء، ولم يهتموا بقضية الناجية من كشف العذرية. تصاعدت حموضة القرف والاشمئزاز من معدتها، كادت تتقيّأ صرختها، لكن اكتفت بالبصق من النافذة.

في الحفل وكلما فتحت فمها حكت بقرف عن هذا الجرافيتي. قرفها منبعه المقارنة السخيفة بين الفعلين، أبدت اندهاشها، لماذا لم تصدر ولا حركة ثقافية أو سياسية أو حقوقية أي بيان تضامنًا مع علياء التي تتعرض لهجمة وحشية، لا من التيارات الإسلامية فقط بل أيضًا من تيارات تصف نفسها بالثورية والمدنية. قطعت ورقة من الدفتر الذي تحمله وصاغت على عجل –بدافع الحماس أو تحت تأثير الخمر المجانية- بيان تضامن مع علياء، وذهبت تطلب توقيعهم عليه. رفضوا جميعًا، وكان الرد: لدينا أولويات أهم، مثل الدستور والانتخابات، وإن تمكنا من كتابة الدستور سنحرص على أن تكون حرية الرأي والتعبير مطلقة فيه.

حاولت الرد عليهم بمنطق مُماثل لكنهم حاصروها بآراء وحسابات أخرى. البعض تهرب، وآخرون ردوا بعنف “واحدة قلعت، مال الثورة والقلع؟” وجميعهم حرص في حديثه معها على الغمز واللمز، والسخرية الذكورية المعتادة ضد أي رأي مخالف تقوله امرأة. ثم انتبهت فرح إلى أن عري علياء أصلاً لم يكن موجهًا ضد الإسلاميين أو السلطة أو الرأسمالية العالمية، بل كان موجهًا ضد كل من هم هنا في هذا الحفل.

ثورة علياء ضد الثوريين، وعريها هو كفر بهذه الحماسة السياسية الكاذبة، التي تحمل داخلها بذور العفن الذي يغطي كل البلاد.

عري علياء ضد الإجابات العقلانية.

ضد التفكير العقلاني العلماني التنويري الذي رحب بتعليم وحرية المرأة، على ألا يعلو سقف الحرية عن ركبتها، وأن تكون حرية المرأة جزءًا من مشروع الدولة الناهضة وقوميات العروبة، والشرف الذي يراق على جوانبه الدم.

في غمار انفعالها وجدالها في مسألة علياء مع الحضور، ثارت فرح على رجل الأعمال الذي يستضيفهم، لأنه في منتصف النقاش علق قائلاً “البنت حتى مش جميلة، ليه تصور نفسها كدا؟ أكيد مريضة نفسيًّا أو لديها مشكلات أسرية واجتماعية”. سحبَتْ فرح شَخْرَة، وخرج الرصاص من فمها “أنت فاكر العالم معمول علشان يعجبك وتتفرج عليه؟ والا علشان مش شيخ وماتقدرش تكفرها هتقول على البنت مجنونة؟ إن كانت هي مجنونة فأنت معرص”. ثم بصقت على الأرض واتجهت نحو باب الخروج، وفي طريقها سحبت أحمد الواقف يعب الكحول المجاني عند البار. خرجت فرح وقررت أن تنهي علاقتها بذلك العالم وهؤلاء الناس، وألا تنظر خلفها فتتحول عمودًا من الملح.

عادت لتقلب في بروفيل أحمد على الفيسبوك، فظهرت لها صور تجمعها مع أحمد على الشاطئ. وجعها قلبها أكثر من الشوق له، لكن فرح ليست مازوخية، ستحرق المراكب، وتقلب الصفحة، لا شيء يجمعها أو يربطها بأحمد الآن. ترددت لحظات أخيرة ثم همت بأن تضغط الزر وتمسح بروفيل أحمد من قائمة أصدقائها مع حجب حسابه، لكن فجأة ظهر تنبيه بوجود رسالة منه في صندوقها البريدي، فتحت الرسالة فوجدتها سطورًا من المُحْن. لف ودوران وكلام غير واضح، الغرض منه أن يطمئن عليها كما يقول. قامت فرح من الكرسي، ثم فتحت باب الحديقة، نظرت إلى أعلى فوجدت الغيوم عادت لتحجب الشمس، أوشكت أن تمد يدها لتزيحها مرة أخرى لكن مهما أزاحت من غيوم ستأتي غيوم أخرى.

عادت إلى الداخل وأرسلت لأحمد رسالة على الموبايل “عايزة اشوفك، خلينا نتكلم، تعال لي البيت الجديد”.

البحر المحيط- هامش

ماذا يعنى القول إن الحقيقة لا تنقاد إلا للخوف، وإنه لكي نصل إليها، كان علينا أن نمر من هذا الجحيم، ولكى نراها، كان علينا أن يُهلك بعضنا بعضاَ، ولكى نملكها، كان علينا أن ننقلب وحوشاً مفترسة، ولكي نخرجها من وكرها، كان علينا أن نتمزق من الألم. لكي نكون حقيقيين، كان علينا أن نموت. لماذا؟ لماذا تصبح الأشياء حقيقية فقط بين أنياب اليأس؟
من شكل العالم بهذه الطريقة، أن الحقيقة يجب أن تكون في الجانب المعتم، وأن المستنقع المخزي لبشرية منبوذة هو الأرض الوحيدة الكريهة التي ينمو فيها ذلك الذي ليس، في حد ذاته ، أكذوبة؟
وفي النهاية: أي حقيقة هى هذه التى تفوح منها رائحة الجثث وتنمو في الدم، وتتغذي بالألم، وتعيض حيث الإنسان يهان، وتنتصر حيث الإنسان يتعفن؟
حقيقة من تكون؟
حقيقة لأجلنا نحن؟

—–

أليساندرو باريكو

البحر المحيط

ترجمة: آمارجي

تصميم موقع كهذا باستخدام ووردبريس.كوم
ابدأ